د. زيد حمزة
هناك اجزاء من العالم تحظى بتغطية اخبارها وتاريخها معظم الوقت واخرى تبقى خارج دائرة الضوء الى حين، كالصين في الحقبة التي سبقت انتصار ماوتسي تونغ عام 1949 على راس جيش التحرير في المسيرة الكبرى، وعن هذه الحقبة تحديداً وجدتُني غارقاً منذ ايام في قراءة كتاب جديد على الانترنت لهيلين زيا الكاتبة الصحفية الاميركية من اصل صيني، صدر قبل اسبوعين بعنوان: ((آخر سفينة خارجة من شنغهاي)) ((Last Boat out of Shanghai)) محملةً بالفارين من ويلات الحرب، والكاتبة تعيدنا لتاريخ الصين في الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي وتروي قصصاً موثقة تدمي القلوب عن نماذج من معاناة الملاين خاصة في مدينة شنغهاي جوهرة المدن الصينية ومينائها التجاري الاكبر الذي كان واحداً من اهم نقاط التطاول على قانون منع المخدرات وادخال آلاف الأطنان من الافيون جهاراً نهاراً لتخدير شعب باكمله ومن ثم قهره والسيطرة عليه من قبل قوى استعمارية كبرى في مقدمتها بريطانيا وفرنسا واميركا بالاضافة لدولة معتدية رابعة هي اليابان! ولقد اصبح لكل منها في واجهة الميناء منطقة خاصة مسوّرة لا سيادة للدولة الصينية عليها وقد خُططت وبُنيت على احدث الطُرُز الاوروبية والاميركية وتم تزويدها بأرقى الخدمات الصحية والتعليمية ووسائل الترفيه الباذخة والعيش الآمن الرغيد وغصّت اسواقها بافخر البضائع الغربية ولا يدخلها الصينيون الا للعمل في المهن الوضيعة!..
في عام 1945 توقفت الحرب العالمية الثانية بمجرد استسلام المانيا النازية لكن الحرب في الصين استمرت لسنوات أخرى بائسة بعد ان كانت قد حطت عليها بكلكلها قبل ذلك بسنوات.. وعندما تُطل علينا هيلين زيا بكتابها الجديد فانها تفتح تلك الصفحات السوداء لتذكّر شعوب الارض بما اقترفته القوى الغاشمة في حق شعب الصين الآمن ودافعها الوحيد لذلك هو جشعها لتحقيق مزيد من الارباح لتجارتها وصناعتها ولو كان ذلك بالعدوان المسلح المفضي لقتل الابرياء بابشع الصور دونما التزام بالقواعد الانسانية والاخلاقية التي يقال زوراً ان الجيوش الحديثة اصبحت تراعيها! أو المؤدي لتشريدهم وتجويعهم وتهجيرهم وسحق كرامتهم وإفقارهم حد بيع بناتهم لمصائر مجهولة اشدها فظاعة البغاء وأخفها وطأة الخدمة المذلة عند عائلات غنية!
لا تجدي قط المقارنة بين وحشية جيش وآخر في تلك الحرب الضروس لكن من المستحيل تجاهل ما اقترفه الجيش الياباني حسب الكتاب في حق ملايين الصينيين المدنيين وهو يطارد جيش تشانج كاي شيك ((الوطني)) حيث كان القتل لعبة رياضية مسلية للجنود اليابانيين وهم يتباهون بعدد الاطفال الذين يلقون باجسادهم الصغيرة في الهواء ليصيدوهم كالعصافير برصاص بنادقهم أو يتنافسون لجمع اكبر قدر من اثداء النساء التي يبترونها بحرابهم كتذكار لانتصاراتهم، او يتلذذون بقطع الرؤوس بسيوفهم ويعلقونها على الأعمدة واسلاك التلفون لإثارة الرعب في نفوس السكان تمهيداً لابادتهم الكاملة، ولا اريد ان أصل بكم هنا الى الحديث المقزز عن الاغتصاب الجماعي للنساء الصينيات وما يسبقه او يتبعه من متعة التشويه، ثم يدخل ذاك الجيش الياباني شنغهاي فاتحاً في 13آب 1937 بعد قصفها بالطائرات على قاعدة ((الارض المحروقة)) التي قلدتها فيما بعد حليفتها المانيا النازية عندما اكتسحت دول اوروبا في الحرب العالمية الثانية.
نتوقف قليلا لا لنهدئ من روعنا لهول ما حدث في تلك الحروب غير البعيدة بل لنتفكر معاً بما جرى من قتال ضارٍ في بعض منطقتنا ومن فظائع ارتكبها الدواعش لم يكشف الستار عنها بعد حتى لا يُفتضح ضلوع من هم وراءهم!
وبعد.. ويبقى السؤال الأهم والاكبر مطروحاً.. لماذا تُشن الحروب اصلاً وهي ليست قدراً محتوما كما يُزعم، بل يمكن درؤها وتجنبها بعد ان عرفت البشرية اسبابها الحقيقية غير المعلنة أو المسكوت عنها؟! فهل تعلمنا من الدروس القاسية كيف نقول: كفى.. لا للحرب!